mardi 28 février 2012

الفاضل الهاشمى الخميس, 26 كانون ثان 2012 12:36 ** حصاد اللبرالية الجديدة فى العالم الثالث هو غياب سيادة الدولة واستقلال قراراتها وسوء توزيع الثروة والسلطة جغرافياً وسوء توزيع الدخول فى مراكز الأطراف وهامشها وداخل هامش المركز . اللبرالية الجديدة : استهلال وخلفية تنظراللبرالية الجديدة لعملية التبادل فى السوق،فى حد ذاتها، كعملية أخلاقية قادرة على قيادة وتوجيه وتنسيق مجمل السلوك البشرى. وقد كانت من قبل – على أيام يفاعتها (اللبرالية) – يداً سحرية خفية توزع الموارد النادرة على خلفية طلبات العباد وعرفت بأيدلوجية التجارة الحرة (ليزى فير) منذ اكثر من 200 عام . لم يخطر ببال اللبراليين ان المسألة ستتخطى دور السوق فى توزيع الموارد بصحبة اخلاق عصر التنوير. فقد تمت إعادة تشكيل الدولة ونفوذها وسطوتها وسلطاتها وايدلوجيتها بحيث تتم ادارة عمليات الخصخصة والتمويل وسائر آليات السوق على الفرضية الاخلاقية بغل يد الدولة عن التدخل فى الاقتصاد وفى التزاماتها السابقة تجاه المواطن تحت فيحاء اللبرالية (تعليم مجانى و خدمات صحية وتنمية ورعاية رأس المال الانسانى) . يحلّل ديفيد هارفى اللبرالية الجديدة وهى تنشد تجديد شباب الدوائر الحاكمه وتمهّد لامبريالية محافظة تغازل على المكشوف التسلط والقهر الطبقى- وصويحباته- وتُنشّف ضروع مكتسبات الديمقراطية وحركات التحرر. وازاء هذه الرسالة اللبرالية الجديدة غير المقدسة ينطرح بديل ملموس (لكم دينكم ولى دين) عرضه سماوات العدالة الاجتماعية بكل تسمياتها ونعوتها . اللبرالية الجديدة ترسّخ على الدوام ان لها كاس مزاجها زنجبيلا والابداع متاح للجميع من دون فرز والعائد مطروح للمبدع الفعال -كذا- وان لا بديل للسُقيا الا من حياضها وقد جعلت حولها رمالا متحركة من سياسات واستراتيجيات واجراءات وعقوبات صارمة لكل من تسوّل له نفسه العبث بمقدراتها حين تستعر التناقضات مثل اتّساع الفجوة بين الاغنياء والفقراء وليس فى وسعها امكانية إستيعاب التناقض الّا على حساب مزيد من جيوش الفقراء والمستضعفين. اما التناقضات الاساسية الاخرى تتمثل فى كون السوق “الحر” اللبرالى ومجتمعه يريد دولة ذات سطوة قانونية ونفوذ ، يعنى بالمكشوف جهاز متنفّذ وبقرة حلوب ترفّه الشركات ومنقذة لخيباتها بالإعانات (بيل آوت). والراسمالى المنشغل بعالمه الداروينى الضيِّق يحتاج لدولة/حَكَم كلىّ القدرة والمؤهلات والمانديت لبسط ناموس السوق الاخلاقى الابدى وحفظ النظام ، نظام السوق من جهة ؛ وفى نفس اللحظة يريد ان يكون حجم تلك الدولة أصغر ما يكون من وجهة نظر توفير التعليم والصحة والمأوى وحفظ البيئة. ديمقراطيات السوق الغربية ولبراليتها الجديدة مهدّدة باللحاق بحضارات سادت ثم بادت مثل الحضارة الفرعونية وحضارة بابل والصين والفرس والروم والحضارة الاغريقية والاسلامية الخ … احد اهم خصائص اللبرالية الجديدة هو ولعها المدهش بان تطوى الكون والمجرات طيّاً وتحوّل كل مايقع عليه بصرها السحّار الى تبادل سلعى سوقى وبوتائر سريعة “يعنى بلغة اهلنا دايرا السوق يقلب باستمرار” وهذه الصنمية والغلو الصوفى فى الايمان بالسوق وآلياته انفصل من واقع انتاج السلع والخدمات وأصبح غاية فى حد ذاته . توصف اللبرالية الاسفيرية وكأنها رؤية صوفية تتناغم فيها كل دابة فى الكون والكواكب وهى تسبح بحمد التبادل السلعي وتنخرط فيه؛ ولا نشاز خارج هذا اللحن اللبرالي الكلي الشامل المهيب حتى فاجأتهم شركات الكيبل باحتكارها للسوق داخل منظومة تدبير دالة المنفعة الفردية وتركيز راس المال. الغريب ان سطوة الشركات متعدّدة الجنسيات باتت تحلم بتبعية الدول لها (وليس شراكة) وتصبو لان تحوّل حتى الدول والمدن الى شركات …تخيل بان يعقد والى سنار عقد مع مايكروسوفت ويذيل إمضاء العقد ب “سنار ليميتد” او “سنار إنكوربريشن” !! اللبرالية الجديدة استخدمت مفاهيم ادم سميث اللبرالية كمنصة انطلاق لآفاق بعيدة وتحت الضغط حلّلت لبلابلها دوح الدعم الزراعى وحرمته على الطير من كل جنس تحت شروط مؤسسات اللبرالية (جديدها وقديمها) والتى ركلها عتاة منظرى الاقتصاد الكلاسيكى الجديد. واللبرالية الجديدة ماكرة فى ابتلاع مفاهيمها ومرونتها ، أقصد بمرونتها انها حين يحاصرها قانون البقاء بالفناء تركب مركب الكنزية (الاقتصادى جون مينارد كينز) الصعب حتى مرافئ الخلاص كما حدث فى سنوات الكساد العظيم الكالحات ( 1929 الى 1932) اوسياسات ثيودور روزفلت (شبه الاشتراكية) فى امريكا والتى عرفت ب “سياسات الصفقة الجديدة” فى ثلاثينيات القرن الماضى ، ضاربة عرض الحائط بمبادئ اللبرالية كما قال الرئيس الامريكى روزفلت فى خطابه الاذاعى الشهير للشعب الامريكى حينئذٍ: “لقد اختفت الديمقراطية فى عدة دول عظيمة ليس لأن مواطنوها كرهوها ، بل لانهم ضاقوا ذرعاً بالعطالة وعدم الامان وبرؤية أطفالهم يتضوّروا وهم عاجزين ازاء تخبّط الدولة وعجزها وقلّة حيلتها القيادية. وفى قمة اليأس اختاروا التضحية بالحرية حتى يجدوا مايأكلونه” (التخطيط من عندى) ؛ لاحظ ان كلمتىْ الديمقراطية والحرية (غير المأسوف عليهما فى الخطاب) لازمتان اساسيتان من لوازم شغل اللبرالية (قديمها وجديدها) !! كون “الحرية” كانت واحدة من اعمدة العبارات الشهيرات الثلاثة فى عصر التنوير و”الديمقراطية” . قصدت القول بان اللبرالية الجديدة تتسم بمرونة فائقة حين يضيق ربّان السفينة كون من يدفع ثمن عبور الازمات هم العمال وسائر من يقع عليهم/ن القمع الاسواق الا حين يشتد عودهم. هذا درس مهم فى سيرة وسيرورة اللبرالية الجديدة. السايقة اللبرالية الجديدة واصله ووصولها ملعون الطارئ شايفنو عيان وقد حولت العالم والحياة الى مجمّع تجارى (مول) كبير تشترى فيه المهاجرين الهنود والبنغلاديش وبنات وابناء هيتى والسودانيين والاطفال والطفلات القُصّر ثم تدخِل اكبادهم وكلاهم وأرحامهن وأعضائهم/ن التناسلية السوق الاسود كما فى مصر والهند وملدوفا وبقية شرق اوروبا وآسيا… ويمكن تلخيص ملامح موجزة للبرالية الجديدة: * سيادة قانون السوق ورفع القيود والعوائق امام عمل المنشأة والاستثمار والتجارة صرف النظر عن الخراب الاجتماعى من فقر وتشريد والخراب البيئى . * وضع سقوف لحقوق الشغيلة وتجريدهم من ما انتزعوه شِبِرْ شِبِرْ. * حرية حركة راس المال المالى /البنكى والسلع والخدمات (ماعدا السلع الزراعية القادمة من العالم الثالث) * وضع المطبات والعراقيل امام حركة العمل (ويقرأ العمال والموظفين والمهنيين والافندية) ؛ أقول وضع العراقيل امام حركة العمل رغم ان العمل أصبح سلعة قبل اكثر من 500 عام. وفى باب حركة العمل تنطرح انحيازات عنصرية وعرقنة وشوفينية وقُبح ما أنزل الله به من سلطان لن تغسله كل مطهّرات التنوير والحداثة ومحسّناتها البديعية من حرية واخاء ورفاه وسيادة. * مشاريع خصخصة جميع المؤسسات لتشمل قطاعات التعليم والصحة والطرق والقطاع المصرفى ومؤسسات النقل والطرق والمواصلات من تلفونات وكهرباء ومستشفيات وصناعة المياه العذبة “والامانى العذبة” وفك الرقابة. * والتعهيد او التعاون الخارجى (آوت صورصنغ) فى انتاج الخدمات والسلع التى كان يتعهّد بها القطاع العام دون منطق الفعالية والربحية اللبرالي الجديد المعروف والمكسب يعود لشركات اللوبى الانتخابى ، ومن ثم القضاء على ظاهرة سلعة عامة. لذلك تصبح مقوّمات إنطلاق وإقلاع اقتصاديات العالم النامى ومفاتيح نهوضه من صحة وتعليم وبنيات تحتية وتأمين اجتماعى ورؤوس رمح الاقتصاد من مؤسسات قائدة (كالصناعة الثقيلة والبنوك الزراعية والصناعية) وسلع مفتاحية للنهوض أصبحت جميعها فى مهب الريح لذلك تتعثر حتى النماذج المحدودة للدول المقلعة بأمراض اجتماعية وعقبات كؤودة قلّما مرت بها دول الديمقراطيات الغربية حينما كانت تقلع. * انشاء مؤسسات البنك الدولى وصندوق النقد الدولى كمؤسسات تبشيرية اقتصادية تبشر بدين واحد واقتصاد واحد وثقافه مركزية واحدة وهوليوود (غابة مقدّسة فى الوادى المقدّس طوى) واحدة ؛ حتى سينما الهند الصاعدة استعارت علامة المركز لتمر ، “غابة البولى” – بوليوود!!. * ادارة مؤامرات لدحر كل نظام ديمقراطى تسول له نفسه الامّارة بالتمرد والتفرّد بخط فلسفة وايدولوجية لا تشبه جينات اللبرالية الجديدة وخطاباتها. تستهدف اللبرالية الجديدة ،جوهريّاً، تقليص حجم ودور الدولة تحت شعار “الأصغر أو الضامر هو الاجمل” وتتحرّك فى اطار العولمة. وتبشّر تعبويّاً وأيدلوجياً بنموذج للدولة “تُمارَس السلطة فيه على أساس مبدأ الحوكمة على غِرار شركات المساهمة في النظام الرأسمالي حيث يمارس حَمَلة الأسهم نوعا من الرقابة والتوجيه، عند توزيع الأرباح” (محمد عابد الجابرى ، اوهام الللبرالية الجديدة ،نوفمبر 2001) طمعاً فى أن تتعزّز رقابة من أعلى (فى حالتىْ الدولة /وادارة الشركة) ومن أسفل (فى حالتىْ المجتمع المدنى/حمَلَة الأسهم) وعليه ينمسخ دور الدولة الى مراقب ومنظم ثانوى فى عملية الانتاج وتوزيع الموارد. فى الأطراف فُرضت اللبرالية الجديدة عبر توصيات وشروط مؤسسات العولمة الراسمالية ودولها المانحة بذريعة المساهمة فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتقليص الفقر بآليات تحرير الاقتصاد وتحرير التجارة وبعض الاسواق (الانفتاح/العولمة) وتقليص دور وحجم الدولة برفع الدعم عن الخدمات الاساسية (صحة وتعليم ومواصلات) والخصخصة وإرخاء قبضة الرقابة. تلازم مشاريع خصخصة المنشآت العامة آليات ينبهل فيها مال العمولات سائباً ويستشرى الفساد فى جميع اجهزة الدولة ويزيد الطين بلّة سيادة الانظمة الشمولية. لذلك صيغة اللبرالية الجديدة هذه لايستقيم ان تقبلها شعوب العالم الثالث تحت وعود بشروط صيرورة ديمقراطية ذات حوكمة فعّالة ومشاركة فى صناعة القرار وشفافية وتمثيلية وسيادة حكم القانون واستقامة تحاصر الفساد واحترام حقوق الانسان كما تزعم أيدلوجيا اللبرالية الجديدة على مستوى تسويغ الشعار. الشاهد ان النظام السياسى الامثل لتطبيق تلك الحزمة الاقتصادية لابد ان يكون شمولياً وعنيفاً يقص أجنحة المجتمع المدنى ويصادر مكتسباته التاريخية. وفق هذا المنطق فان صحوة المجتمع المدنى والحريات التى تدعوا لها ثورات الربيع العربى تعيق تطبيق اللبرالية الجديدة. فى المراكز او الاطراف ، فى آن، تتحدّد أثار وأبعاد اللبرالية الجديدة عموماً ضمن معطيات توازن القوى الطبقى وحظها فى المساومة والتفاوض والمقاومة فى الدولة المحدّدة وتتجلّى الآثار على مستوى الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية من ضمان اجتماعى واستقرار عمالة وتعويضات العطالة والتأمين الصحّى ومستوى الفقر . حصاد اللبرالية الجديدة فى العالم الثالث هو غياب سيادة الدولة واستقلال قراراتها وسوء توزيع الثروة والسلطة جغرافياً وسوء توزيع الدخول فى مراكز الأطراف وهامشها (المدن الريفية) وداخل هامش المركز (هامش المدن يضم عمقها وداخلها بالاضافة الى النازحين فى أحزمة المدن الحضرية وأكواخها ومدن صفيحها). بمعنى آخر فان برجوازية الأطراف التجارية تجاوزت مفهوم الوكالة التقليدى وقبل الراسمالى الموسمى وخلقت شبكات مرنة تستوطن الاطراف. وبفضل هذه الشبكات وفساد الدولة تكاثرت راسمالية تجارية وبرقراطية فاسدة مفسِدة من سماتها: الإلتصاق الحميم بجهاز الدولة ولا تقوى على الاستثمار الا حيث العائد السريع من تخزين ومضاربة باختراع حالات نُدرة سلعية ثم صياغة وعرض صفقات تجارية وعطاءات وتأليف سياسات صادر/وارد خصيصاً للثراء من تلك النُدرة المصطنعة بالتحالف والشراكة مع صنّاع القرار السياسى والاقتصادى من المحسايب السياسيين والدينيين والقبليين. ومع سوء توزيع الثروة والتنمية غير المتساوية والسلطة وضعف الدولة اللبرالية الجديدة ومحدودية مواردها وفوضى سوق الاسلحة تصبح الحروب الاثنو-تنموية والمجاعات نتيجة منطقية. فكر اللبرالية الجديدة وسياساتها تقص أجنحة المشروع الوطنى الديمقراطى- الفاضل الهاشمى

الفاضل الهاشمى   
الخميس, 26 كانون ثان 2012 12:36

** حصاد اللبرالية الجديدة فى العالم الثالث هو غياب سيادة الدولة واستقلال قراراتها وسوء توزيع الثروة والسلطة جغرافياً وسوء توزيع الدخول فى مراكز الأطراف وهامشها  وداخل هامش المركز  .

اللبرالية الجديدة : استهلال وخلفية

تنظراللبرالية الجديدة لعملية التبادل فى السوق،فى حد ذاتها، كعملية أخلاقية قادرة على قيادة وتوجيه وتنسيق مجمل السلوك البشرى. وقد كانت من قبل – على أيام يفاعتها (اللبرالية) – يداً سحرية خفية توزع الموارد النادرة على خلفية طلبات العباد وعرفت بأيدلوجية التجارة الحرة (ليزى فير) منذ اكثر من 200 عام .

لم يخطر ببال اللبراليين ان المسألة ستتخطى دور السوق فى توزيع الموارد بصحبة اخلاق عصر التنوير. فقد تمت إعادة تشكيل الدولة ونفوذها وسطوتها وسلطاتها وايدلوجيتها بحيث تتم ادارة عمليات الخصخصة والتمويل وسائر آليات السوق على الفرضية الاخلاقية بغل يد الدولة عن التدخل فى الاقتصاد وفى التزاماتها السابقة تجاه المواطن تحت فيحاء اللبرالية (تعليم مجانى و خدمات صحية وتنمية ورعاية رأس المال الانسانى) .

يحلّل ديفيد هارفى اللبرالية الجديدة وهى تنشد تجديد شباب الدوائر الحاكمه وتمهّد لامبريالية محافظة تغازل على المكشوف التسلط والقهر الطبقى- وصويحباته- وتُنشّف ضروع مكتسبات الديمقراطية وحركات التحرر. وازاء هذه الرسالة اللبرالية الجديدة غير المقدسة ينطرح بديل ملموس (لكم دينكم ولى دين)  عرضه سماوات العدالة الاجتماعية بكل تسمياتها ونعوتها .

اللبرالية الجديدة ترسّخ على الدوام ان لها كاس مزاجها زنجبيلا والابداع متاح للجميع من دون فرز والعائد مطروح للمبدع الفعال -كذا-  وان لا بديل للسُقيا الا من حياضها وقد جعلت حولها رمالا متحركة من سياسات واستراتيجيات واجراءات وعقوبات صارمة لكل من تسوّل له نفسه العبث بمقدراتها حين تستعر التناقضات مثل اتّساع الفجوة بين الاغنياء والفقراء وليس فى وسعها امكانية إستيعاب التناقض الّا على حساب مزيد من جيوش الفقراء والمستضعفين.

اما التناقضات الاساسية الاخرى تتمثل فى كون السوق “الحر” اللبرالى ومجتمعه يريد دولة ذات سطوة قانونية ونفوذ ، يعنى بالمكشوف جهاز متنفّذ وبقرة حلوب ترفّه الشركات ومنقذة لخيباتها بالإعانات (بيل آوت). والراسمالى المنشغل بعالمه الداروينى الضيِّق يحتاج لدولة/حَكَم كلىّ القدرة والمؤهلات والمانديت لبسط ناموس السوق الاخلاقى الابدى وحفظ النظام ، نظام السوق من جهة ؛ وفى نفس اللحظة يريد ان يكون حجم تلك الدولة أصغر ما يكون من وجهة نظر توفير التعليم والصحة والمأوى وحفظ البيئة.

ديمقراطيات السوق الغربية ولبراليتها الجديدة مهدّدة باللحاق بحضارات سادت ثم بادت مثل الحضارة الفرعونية وحضارة بابل والصين والفرس والروم والحضارة الاغريقية والاسلامية الخ …

احد اهم خصائص اللبرالية الجديدة هو ولعها المدهش بان تطوى الكون والمجرات طيّاً وتحوّل كل مايقع عليه بصرها السحّار الى تبادل سلعى سوقى وبوتائر سريعة “يعنى بلغة اهلنا دايرا السوق يقلب باستمرار” وهذه الصنمية والغلو الصوفى فى الايمان بالسوق وآلياته انفصل من واقع انتاج السلع والخدمات وأصبح غاية فى حد ذاته .

توصف اللبرالية الاسفيرية وكأنها رؤية صوفية تتناغم فيها كل دابة فى الكون والكواكب وهى تسبح بحمد التبادل السلعي وتنخرط فيه؛ ولا نشاز خارج هذا اللحن اللبرالي الكلي الشامل المهيب حتى فاجأتهم شركات الكيبل باحتكارها للسوق داخل منظومة تدبير دالة المنفعة الفردية وتركيز راس المال. الغريب ان سطوة الشركات متعدّدة الجنسيات باتت تحلم بتبعية الدول لها (وليس شراكة) وتصبو لان تحوّل حتى الدول والمدن الى شركات …تخيل بان يعقد والى سنار عقد مع مايكروسوفت ويذيل إمضاء العقد ب “سنار ليميتد” او “سنار إنكوربريشن” !!

اللبرالية الجديدة استخدمت مفاهيم ادم سميث اللبرالية كمنصة انطلاق لآفاق بعيدة وتحت الضغط حلّلت لبلابلها دوح الدعم الزراعى وحرمته على الطير من كل جنس تحت شروط مؤسسات اللبرالية (جديدها وقديمها) والتى ركلها عتاة منظرى الاقتصاد الكلاسيكى الجديد.

واللبرالية الجديدة ماكرة فى ابتلاع مفاهيمها ومرونتها ، أقصد بمرونتها انها حين يحاصرها قانون البقاء بالفناء تركب مركب الكنزية (الاقتصادى جون مينارد كينز) الصعب حتى مرافئ الخلاص كما حدث فى سنوات الكساد العظيم الكالحات ( 1929 الى 1932) اوسياسات ثيودور روزفلت (شبه الاشتراكية) فى امريكا والتى عرفت ب “سياسات الصفقة الجديدة” فى ثلاثينيات القرن الماضى ، ضاربة عرض الحائط بمبادئ اللبرالية كما قال الرئيس الامريكى روزفلت فى خطابه الاذاعى الشهير للشعب الامريكى حينئذٍ:

“لقد اختفت الديمقراطية فى عدة دول عظيمة ليس لأن مواطنوها كرهوها ، بل لانهم ضاقوا ذرعاً بالعطالة وعدم الامان وبرؤية أطفالهم يتضوّروا وهم عاجزين ازاء تخبّط الدولة وعجزها وقلّة حيلتها القيادية. وفى قمة اليأس اختاروا التضحية بالحرية حتى يجدوا مايأكلونه” (التخطيط من عندى) ؛ لاحظ ان كلمتىْ الديمقراطية والحرية (غير المأسوف عليهما فى الخطاب) لازمتان اساسيتان من لوازم شغل اللبرالية (قديمها وجديدها) !! كون “الحرية” كانت واحدة من اعمدة العبارات الشهيرات الثلاثة فى عصر التنوير و”الديمقراطية” .

قصدت القول بان اللبرالية الجديدة تتسم بمرونة فائقة حين يضيق ربّان السفينة كون من يدفع ثمن عبور الازمات هم العمال وسائر من يقع عليهم/ن القمع الاسواق الا حين يشتد عودهم. هذا درس مهم فى سيرة وسيرورة اللبرالية الجديدة.

السايقة اللبرالية الجديدة واصله ووصولها ملعون الطارئ شايفنو عيان وقد حولت العالم والحياة الى مجمّع تجارى (مول) كبير تشترى فيه المهاجرين الهنود والبنغلاديش وبنات وابناء هيتى والسودانيين والاطفال والطفلات القُصّر ثم تدخِل اكبادهم وكلاهم وأرحامهن وأعضائهم/ن التناسلية السوق الاسود كما فى مصر والهند وملدوفا وبقية شرق اوروبا وآسيا…

ويمكن تلخيص ملامح موجزة للبرالية الجديدة:

* سيادة قانون السوق ورفع القيود والعوائق امام عمل المنشأة والاستثمار والتجارة صرف النظر عن الخراب الاجتماعى من فقر وتشريد  والخراب البيئى .

* وضع سقوف لحقوق الشغيلة وتجريدهم من ما انتزعوه شِبِرْ شِبِرْ.

* حرية حركة راس المال المالى /البنكى والسلع والخدمات (ماعدا السلع الزراعية القادمة من العالم الثالث)

* وضع المطبات والعراقيل امام حركة العمل (ويقرأ العمال والموظفين والمهنيين والافندية) ؛ أقول وضع العراقيل امام حركة العمل رغم ان العمل أصبح سلعة قبل اكثر من 500 عام. وفى باب حركة العمل تنطرح انحيازات عنصرية  وعرقنة وشوفينية وقُبح ما أنزل الله به من سلطان لن تغسله كل مطهّرات التنوير والحداثة ومحسّناتها البديعية من حرية واخاء ورفاه وسيادة.

* مشاريع خصخصة جميع المؤسسات لتشمل قطاعات التعليم والصحة والطرق والقطاع المصرفى ومؤسسات النقل والطرق والمواصلات من تلفونات وكهرباء ومستشفيات وصناعة المياه العذبة “والامانى العذبة” وفك الرقابة.

* والتعهيد او التعاون الخارجى (آوت صورصنغ) فى انتاج الخدمات والسلع التى كان يتعهّد بها القطاع العام دون منطق الفعالية والربحية اللبرالي الجديد المعروف والمكسب يعود لشركات اللوبى الانتخابى ، ومن ثم القضاء على ظاهرة سلعة عامة.

لذلك تصبح مقوّمات إنطلاق وإقلاع اقتصاديات العالم النامى ومفاتيح نهوضه من صحة وتعليم وبنيات تحتية وتأمين اجتماعى ورؤوس رمح الاقتصاد من مؤسسات قائدة (كالصناعة الثقيلة والبنوك الزراعية والصناعية) وسلع مفتاحية للنهوض أصبحت جميعها فى مهب الريح لذلك تتعثر حتى النماذج المحدودة للدول المقلعة بأمراض اجتماعية وعقبات كؤودة قلّما مرت بها دول الديمقراطيات الغربية حينما كانت تقلع.

* انشاء مؤسسات البنك الدولى وصندوق النقد الدولى كمؤسسات تبشيرية اقتصادية تبشر بدين واحد واقتصاد واحد وثقافه مركزية واحدة وهوليوود (غابة مقدّسة فى الوادى المقدّس طوى) واحدة ؛ حتى سينما الهند الصاعدة استعارت علامة المركز لتمر ، “غابة البولى” – بوليوود!!.

* ادارة مؤامرات لدحر كل نظام ديمقراطى تسول له نفسه الامّارة بالتمرد والتفرّد بخط فلسفة وايدولوجية لا تشبه جينات اللبرالية الجديدة وخطاباتها.

تستهدف اللبرالية الجديدة ،جوهريّاً، تقليص حجم ودور الدولة تحت شعار “الأصغر أو الضامر هو الاجمل” وتتحرّك فى اطار العولمة. وتبشّر تعبويّاً وأيدلوجياً بنموذج للدولة “تُمارَس السلطة فيه على أساس مبدأ الحوكمة على غِرار شركات المساهمة في النظام الرأسمالي حيث يمارس حَمَلة الأسهم نوعا من الرقابة والتوجيه، عند توزيع الأرباح”  (محمد عابد الجابرى ، اوهام الللبرالية الجديدة ،نوفمبر  2001) طمعاً فى أن تتعزّز رقابة من أعلى (فى حالتىْ الدولة /وادارة الشركة) ومن أسفل (فى حالتىْ المجتمع المدنى/حمَلَة الأسهم) وعليه ينمسخ دور الدولة الى مراقب ومنظم ثانوى فى عملية الانتاج وتوزيع الموارد.

فى الأطراف فُرضت اللبرالية الجديدة عبر توصيات وشروط مؤسسات العولمة الراسمالية ودولها المانحة بذريعة المساهمة فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتقليص الفقر بآليات تحرير الاقتصاد وتحرير التجارة وبعض الاسواق (الانفتاح/العولمة) وتقليص دور وحجم الدولة برفع الدعم عن الخدمات الاساسية (صحة وتعليم ومواصلات) والخصخصة وإرخاء قبضة الرقابة. تلازم مشاريع خصخصة المنشآت العامة آليات ينبهل فيها مال العمولات سائباً ويستشرى الفساد فى جميع اجهزة الدولة ويزيد الطين بلّة سيادة الانظمة الشمولية. لذلك صيغة اللبرالية الجديدة هذه لايستقيم ان تقبلها شعوب العالم الثالث تحت وعود بشروط صيرورة ديمقراطية ذات حوكمة فعّالة ومشاركة فى صناعة القرار وشفافية وتمثيلية وسيادة حكم القانون واستقامة تحاصر الفساد واحترام حقوق الانسان كما تزعم أيدلوجيا اللبرالية الجديدة على مستوى تسويغ الشعار. الشاهد ان النظام السياسى الامثل لتطبيق تلك الحزمة الاقتصادية لابد ان يكون شمولياً وعنيفاً يقص أجنحة المجتمع المدنى ويصادر مكتسباته التاريخية. وفق هذا المنطق فان صحوة المجتمع المدنى والحريات التى تدعوا لها ثورات الربيع العربى تعيق تطبيق اللبرالية الجديدة.

فى المراكز او الاطراف ، فى آن، تتحدّد أثار وأبعاد اللبرالية الجديدة عموماً ضمن معطيات توازن القوى الطبقى وحظها فى المساومة والتفاوض والمقاومة فى الدولة المحدّدة وتتجلّى الآثار على مستوى الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية من ضمان اجتماعى واستقرار عمالة وتعويضات العطالة والتأمين الصحّى ومستوى الفقر .

حصاد اللبرالية الجديدة فى العالم الثالث هو غياب سيادة الدولة واستقلال قراراتها وسوء توزيع الثروة والسلطة جغرافياً وسوء توزيع الدخول فى مراكز الأطراف وهامشها (المدن الريفية) وداخل هامش المركز (هامش المدن يضم عمقها وداخلها بالاضافة الى النازحين فى أحزمة  المدن الحضرية وأكواخها ومدن صفيحها).  بمعنى آخر فان برجوازية الأطراف التجارية تجاوزت مفهوم الوكالة التقليدى وقبل الراسمالى الموسمى وخلقت شبكات مرنة تستوطن الاطراف. وبفضل هذه الشبكات وفساد الدولة تكاثرت راسمالية تجارية وبرقراطية فاسدة مفسِدة من سماتها: الإلتصاق الحميم بجهاز الدولة ولا تقوى على الاستثمار الا حيث العائد السريع من تخزين ومضاربة باختراع حالات نُدرة سلعية ثم صياغة وعرض صفقات تجارية وعطاءات وتأليف سياسات صادر/وارد خصيصاً للثراء من تلك النُدرة المصطنعة بالتحالف والشراكة مع صنّاع القرار السياسى والاقتصادى من المحسايب السياسيين والدينيين والقبليين. ومع سوء توزيع الثروة والتنمية غير المتساوية والسلطة وضعف الدولة اللبرالية الجديدة ومحدودية مواردها وفوضى سوق الاسلحة تصبح الحروب الاثنو-تنموية والمجاعات نتيجة منطقية.


فكر اللبرالية الجديدة وسياساتها تقص أجنحة المشروع الوطنى الديمقراطى- الفاضل الهاشمى

 
الأفق الاشتراكي, Powered by Joomla! and designed by SiteGround web hosting

Aucun commentaire: