jeudi 28 mars 2013

La vie d'Maarri


 
  أبي العلاء المعري...    
هو: أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي, ولد هذا الشاعر العبقري في معرة النعمان  تلك المدينة الوادعة التي تتربع على سفح جبل الزاوية الشرقي بين حلب و حماه و تكنفها الخضرة من كل جانب.
نشأته: ولد المعري سنة 363هـ , و نشأ في بيت قضاء و أدب فوالده قاض فاضل و أمه من آل سبيكة و هي أسرة حلبية الأصل معروفة بالفضل و الأدب و كان له عدد من الأخوة أكثرهم شعراء,ألم به مرض الجدري فأصيب بالعمى و هو طفل لا يتجاوز الرابعة من عمره فحرم نعمة البصر و عاش لا يذكر الألوان إلا اللون الأحمر (لون الثوب الذي كان يرتديه يوم كف بصره).

و يعتبر بعض الباحثين أن هذه المصيبة التي ألمت به في صغره كانت سبباً في لف حياته بالتشاؤم و صبغها بالسواد. إلا أن أبا العلاء وقف أمام قدره بكبرياء و ثبات و قال(أحمد الله على العمى كما يحمده غيري على نعمة البصر).
ثم لما رأى ما رأى من فساد المجتمع و ضلال البشر اعتبر العمى رحمةً لا مصيبةً لأنه أراحه من رؤية عالم لا يستحق النظر إليه فقال:
قالوا العمى منظر قبيح              قلت لفقدانكم يهون
     و الله ما في الوجود شيء            تأسى على فقدة العيون       
ظهرت على المعري ملامح العبقرية و النبوغ منذ حداثته فقد كان حاد الذكاء قوي الحافظة فطناً ذا إحساس مرهف و شعور نبيل و قد استفاد المعري من بيت والده حيث كان مجمعاً للأضياف و الخصوم فكان أحمد الصغير يقبع في زاوية من زوايا المنزل يسمع إلى أحاديثهم و مناقشاتهم و قضاياهم و إلى أدلة و حجج المتخاصمين و المتشاكين فيه و يخزن في صدره كل ما يسمع و هو كما قال(ما سمعت شيئاً إلا حفظته و ما حفظت شيئاً و نسيته).
توفي والده وهو في الرابعة من عمره ، فحزن عليه حزنا عميقاً ورثاه بقصيدة مؤثرة قال فيها
          أبـي حكمت فيه الليالي ولم تزل        رمـاح المنايا قادرات على الطعـن
          فيا ليت شعري هل يخف وقاره        إذا صـار أحد فـي القيامـة كالعهـن؟
          وهل يرد الحوض الري مبادراً        مع الناس أم يخشى الزحام فيستأني؟

لقد كان المعري ذا طموح عظيم فقد تجاوز كل مصائبه من عجز، وعماً, وموت أبيه ، وتجشم عناء الأسفار ليحقق آماله وطموحاته, في الوقت التي كانت كل مصيبة كفيلة أن تفل عزمه وتقعده إلى جانب أمه كي لا يضيع منه آخر ما تبقى له من الدفء والحنان .
فزار حلب واللاذقية و أنطاكية وطرابلس والتهم كل ما في خزائنها من علوم ومعارف ولم ترضي نهمه لطلب العلم فقصد أم العلوم وعاصمة الفكر بغداد، وهنالك التقى بأساطين العلم، وجهابذة الفكر، وشيوخ اللسان، وأئمة المذاهب, وأقطاب الطرق، ودخل بيوت الأشراف ، و اقتحم حلقات البحث والعلم، واستوعب و وعي كل شيء وأصبح ذا ثقافة واسعة وشاملة يساعده على ذلك حافظة عجيبة نادرة تلتقط كل ذرة ولا تغفل في مضمار، ولا تكبو في سباق، وحس مرهف، ودافع قوي .
 إلا أن مناخ بغداد لم يطب له ، فقد كان موبواً بوباء أو مرض العصر-كما كان يطلق عليه- و مرض اجتماعي لم يستطع أبو العلاء التعايش مع ذلك المناخ  فأصبح عبئاً كبيراً على من يتعاطون النفاق و الرياء و الخداع و ما أكثرهم في ذلك العصر فكثر خصومه وأعداؤه، لأنه صريح القول، قوي الحجة، واسع الإدراك، سليم الغاية، لا يطمح على ثواب ولا يخشى من عقاب.
ولعل ما جرى في منزل الشريف المرتضى دليل على صدقه وإبائه ورفضه المواربة والمجاملة وإصراره على نطق الحق ولو أدى ذلك إلى استهجانه وطرده، وهذا ما حصل، فقد جرى ذكر المتنبي في مجلس الشريف المرتضى الذي كان يبغضه بعكس أبي العلاء الذي كان معجباً بشعره , فانتفض الشريف و ذمه أبو العلاء: يكفيه أن له-لك يا منازل  في القلوب منازل- فأدرك الشريف أن أبا العلاء لا يقصد هذا المطلع من القصيدة و إنما يقصد البيت التالي:
و إذا أتتك مذمتي من ناقص                فهي الشهادة لي بأني كامل
فاستعظم الشريف أن يوصف بالنقصان في عقر داره – و من رجل غريب- فأمر غلمانه بجر المعري من رجليه و إلقائه خارج المنزل.
كره أبو العلاء الإقامة في بغداد, و اشتاق إلى أمه و بلدة المعرة فقال مخاطباً البرق الذي عرض له في الكرخ:
فيا برق ليس الكرخ داري و إنما           رماني إليه الدهر منذ ليال
فهل فيك من ماء المعرة قطرة              تغيث بها ظمآن ليس بسال
و لما جاءه نبأ مرض أمه ترك بغداد و شد الرحال إلى المعرة تاركاً خلفه بيته الشهير:
إذا سألت بغداد عني و أهلها               فإني عن أهل العواصم سآل
و لكن يا للأسف, و يا للحزن الحزن العميق وصل المعرة و كانت أمه قد فارقت الحياة, فترك موتها في نفسه جروحاً لم تندمل, فقد حرم من الحضن الدافئ و القلب الكبير, و الأمل الواعد, فذوت الزهرة الغضة في أصيصها و ذهب آخر ما تبقى من أريجها, لأنها حرمت من نعمة البصر, و نعمة الأبوة, و نعمة الأمومة, و أصبحت تفتقر إلى الكلمة العذبة و اللثمة الدافئة و النفس  البريئة. فأعلنها عزلة مظلمة قاتمة طويلة الأمد, بل حداداً يبدأ بثوب أسود و ينتهي بكفن أبيض, و أطلق على نفسه رهين المحبسين, العمى و المنزل, ثم أضاف لهما حبساً ثالثاً و هو حبس الجسد فأصبح رهين سجون ثلاثة حيث قال في ذلك:
أراني في الثلاثة من سجوني                           فلا تسأل عن الخبر النبيث
    لفقد ناظري و لزوم  بيتي                               و كون النفس في الجسد الخبيث
فانقطع عن ضوء الشمس, و عطر الزهور, و بريق النجوم, فخلا شعره من عبق الأنثى, و أريج الورود, و سجع الطيور, و احتقن بالغضب و التهجم و العبوس, و الثورة على الزوجة- الأفعى-و الولد- الحنش-, لأنهما مصادر إفساد و تدمير و تشويه, لا لأنه فاقد الروح و العاطفة أو لأنه لا يرغب بمدينة فاضلة تسودها روح المحبة و التسامح, و ينعم أبناؤها بالسرور و السعادة.
و يخطئ من يظن أن المعري عادى المرأة لأنه فاقد الميل لها فقد قال:
أيا دارها بالكرخ إن مزارها                          قريب و لكن دون ذلك أهوال
و لكن تجربته الغنية الواسعة جعلته لا يرى في الآتين خيراً مما رأى من الغابرين فهؤلاء أبناء أولئك, و أصل خلقهم هو التراب. فزهد في الحياة و تقشف و امتنع عن أكل اللحوم و منتجات الحيوان, و اقتصر في طعامه على النبات.
فلا تأكلن ما أخرج الماء ظالماً            و لا تبغ قوتاً من غريض الذبائح
              و دع ضرب النحل الذي بكرت له         كواسب من أزهار نبت فوائح
             و لا تفجعن الطير و هي غوافل             بما وضعت فالظلم شر القبائح
و هكذا لم يقتصر رفقه على الإنسان و إنما شمل أيضاً الحيوان, و تميز عن كل الفلاسفة و المفكرين بأنه طبق على نفسه كل ما قاله, و هذه علامة مضيئة هامة تضاف إلى حياة المعري شاعر الفلاسفة و فيلسوف الشعراء. و قد حارب الظلم والنفاق, و تصدى للحكام الذين يظلمون رعاياهم فقال:
مل المقام فكم أعاشر أمة                       أمرت بغير صلاحها أمراؤها
  ظلموا الرعية و استباحو كيدها               و عدوا مصالحها و هم أجراؤها
و دعا إلى الر و الخير و العقلانية و محاربة الرذائل و الخرافات.
لقد ألزم المعري نفسه بما لا يلزم فكان مثل كتابه الشهير اللزوميات الذي كتب أشعاره في عزلته, إذ فرض على نفسه و شعره قيوداً صارمة  لا يقلل التخلي عنها من شأنه, بل لم يكن في بال أحد أن يصفها و يتقيد بها, فضلاً عن أنها سببت له نقد الناقدين و شفقة المشفقين, أليس هذا دليلاً على اعتداد هذا الرجل بنفسه و ثقته البالغة, و طبعاً هذا غير مستغرب ممن أطلق في صباه صرخته المدوية:
و إني و إن كنت الأخير زمانه                لآت بما لم تستطعه الأوائل
و ما أتى به المعري لم تستطعه الأوائل, و لن تأتي به الأواخر.
فارقد يا أبا العلاء هانئاً مطمئناً على سلامة نبوءتك وعدم منافسة أحد لك في الفكر و أنت من ترجو مشاركتهم لك في الطعام و الشراب.
وإني لو حبيت الخلد فرداً          لما أحببت بالخلد انفرادا
  فلا هطلت علي و لا بأرضي     سحائب ليس تنتظم البلادا
و بهذا الفكر الناضج و القلب الواسع و الإنسانية السمحة اجتذب أبو العلاء الناس إليه رغم هجومهم و ذمهم فأقبلوا عليه من كل أصقاع المعمورة رغم هجرهم و ابتعاده عنهم, يلتمسون منه العلم, و يطلبون منه معرفة السر الذي هتف به في قوله:
غدوت مريض العقل و الدين فالقني        لتسمع أنباء الأمور الصحائح
                بني زمني هل تعلمون سرائراً              علمت و لكنب بها غير بائح
و لم يخرج أبو العلاء من بيته إلا مرة واحدة, عندما غزا ملك حلب صالح بن مرداس المعرة, فطلب وجهاء المعرة و أعيانها من أبي العلاء أن يتشفع للمعرة لدى الملك صالح فاستعظم ذلك و قال:-أيخرج شاعر لملاقاة ملك- و أبى ثم امتثل لطلبهم بعد الإلحاح الشديد, و بدأت مبارزة غير متكافئة بين سجع الحمام و زئير الأسد, حقاً إنها  غير متكافئة, و لكن هل كان يدور في خلد العاجز الضرير أنها ستنتهي بانتصار السجع على الزئير؟ و عاد أبو العلاء بالمعرة ظافراً غانماً, و لكنه ظل طيلة العمر نادماً ناقماً لأنه خرج من عزلته و عزته ليسجع سجعة واحدة فيها استرحام و استعطاف, و من أجل من؟ من أجل أغلى الغوالي,مهد طفولته و منسك شيخوخته, موطنه المعرة. أفبعد هذا عزٌ فوق عزه, و كبرياءٌ فوق كبريائه؟
مؤلفاته: لقد تجاوزت مؤلفات المعري المئتين إلا أنه لا يوجد بين أيدينا إلا القليل, و من أشهر كتبه:
رسالة الغفران التي يُعتقد أن شاعر الطليان قد استمد مها كتابه المشهور الكوميديا الإلهية, و الفصول و الغايات, الشادن, اقليد الغابات, الأيك و الغصون, تضمين الأي, تاج الحرة, سيف الخطبة, خطب الخيل, خطب الفصيح, خماسية الراح في ذم الخمر, وقفة الواعظ, دعاء الأيام السبعة, حرز الخيل, سجع الحمام, نظم الدر, عظات السور, رسالة الصاهلو الشاحج, خادم الرسائل, شرف السيف, السجع السلطاني, سجع الفقيه, سجع المضطرين, ديوان الرسائل, رسائل المعونة, الرسالة الحصنية, ملك الموت, أدب العصفورين, السجعات العشر,ديوان سقط الزند, لزوم ما لا يلزم, زجر النابح, بحر الزجر, راحة اللزوم, جامع الأوزان, استغفر و استغفري, ملقى السبيل, الظل الظاهر, المختصر الفتحي, عون الجمل, اسعاف الصديق, شرح كتاب سيبويه, شرح خطبة أدب الكاتب مثقال النظم, القوافي, اللامع العزيزي, في معاني شعر المتنبي, ذكر حبيب, عبث الوليد, و كتاب جمع فيه فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب, و كتاب فيه أمالي من حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم.
هذا هو أبو العلاء المعري الشاعر المفكر و الزاهد الحكيم الذي كني أبا العلاء لعلوه و تفوقه فقال متواضعاً:
دعيت أبا العلاء و ذاك مين                      و لكن الصحيح أبو النزول
فازداد بتواضعه علواً و سمواً و كان قمة شاهقة في الأدب و الفكر و منبع دفاقاً لا ينضب, لقد ملأ هذا الأعمى الدنيا بمصابيحه, و شغل الناس, و ما زال مثار الجدل و موضع البحث و استقصاء وتحليل, و ما انفك الباحثون يتسللون دهاليزه بشموعهم المتواضعة لاستكشاف مكنونات هذا الضرير من دون أن يصلوا إلى كنه هذه الصدفة التي تنطوي على المحارة العجيبة التي نفذت أشعتها إلى خارج جدران صدفتها فبهرت العالم كله.
لقد عاش المعري فترة زمنية امتدت بين 363 و 449 هجرية كانت حافلة بالحب و العطاء, ضرب فيها أروع الأمثال في الثبات و التحدي و مغالبة النوائب ليصبح معجزة تقف البشرية حائرةً عاجزةً عن تفسيرها. و حينما توفى إمام العقل , و شيخ الزهد و العفة و الرحمة, و داعية الإنسانية الفذ تحلق حول قبره ثمانون شاعراً يرثونه باكين.
يقع قبره في معرة النعمان ضمن المركز الثقافي القديم الذي كان بيته سابقاً, و قد كتب على قبره ما  أوصى به أن يكتب:
هذا ما جناه أبي علي                           و ما جنيت على أحد

1 commentaire:

Anonyme a dit…


active ingredients viagra cialis

viagra vs cialis alcohol . http://everyoneweb.fr/viagracontreindicationsfrance/#192 -
medicament viagra indications contre .